ما هو جذاب وأصيل في الأديان ليس بعدها الإلهي فحسب، وإنما البعد الإنساني التاريخي العميق، أولم تنشأ الديانات السماوية مع فجر التاريخ في فترة اكتشاف الزراعة والبناء والنحت وتكون الأسرة واستقرارها في حاضرة ما بين النهرين وضفتي وادي النيل والأرض المباركة المقدسة، حيث رسخ الإنسان قدميه على الأرض ورفع رأسه للسماء وتماهى مع فطرته الأولى في أتم الالتحام والنقاء والصفاء.
كي تعرف ربك يكفي أن تعرف نفسك، وأنت في البحث عنه ونشدان سبيله ستصادف نفسك وترقبها وتقومها فتعانقها وترافقها وتزاملها وكفى بذلك معرفة فقد وصلت لمبتغاك.
… أيها النـاس
يا أهل الطبيعة البحرية، مزيج الرمل والماء والكهرباء.. البشر الطيبون وأيضا أولئك الشريرون، هاأنتم وضعتم يدكم على حبل السرة، سرة الأم العظمي، الطبيعة المتفجرة المعطاء وهي تمدكم بالشعلة، شعلة المستقبل المشرق الخلاق.
الطبيعة .. مرآة الله على الكون ويده الممدودة للناس وفطرته التي فطر عليها الخليقة، ونور هدايته الخافت الوهاج، الله… كان فكرة إنسانية دائما وهو يعكس ما يصبو إليه البشر، ما هو فوق الفوق المطلق واللانهائي، إنه المتعالي الذي ينسج بأسلاك الجمال وحدته به الموجودات موجودة وله الأشياء تصير.. ولا فرار ولا مفـر.
هو البدء والمنتهـى والمسـار
هو الذي به ومنه وله وفيه
هو الآن وهنا وها هنـا .. وهناك وها هنـاك
الحس والسمع والإبصار والشم والمذاق وأكثر …
ليس كمثله شيء وهو كل شـيء
الحياة والموت، ما قبلهما وما بعدهما، ما أمرهما وما سرهما.
إننا نراه في كل شيء ونرى تجلياته في خلقه، في الطبيعة والكون والإنسـان.
إنه لا حاجة للخروج عن تجلياته التي هي في حد ذاتها برهان له ودليل عليه ومن خلائقه التي لاشيء أدل منها عليه فهي الرواية والبرهان والدليل والسند.
إنه الحتمية والقانون والضبط والميزان، شرائعه واضحة لا لبس فيها، كلماته سلسة مفهومة وسبيله قويم لا اعوجاج فيه، الخير أفضل من الشر هذا ما تكتشفه دائما وبالبديهة، الجمال أولى من القبح .. السعادة في العطاء والأخذ معا، تلك سبله وقوانينه، نواميس الطبيعة والفطرة كامنة كانت أم مكشوفة، التوازن دائما هو المطلوب، وما يدفع الحياة للحياة والملأ والاستمرار والحمد والنعم وما يصلح الأمور خير مما يفسدها، الاحتفاظ بالصحة والعافية والسعادة وسيادة الطبيعة، ذلك ما يدعو للحيـاة ..
ذلكم هو الله وتلك طرقه، لغته سهلة واضحة جميلة كافية مقنعة، وجميع خلائقه هي آياته ومعجزاته.
إن تحليل الطبيعة وفهمها ومسايرتها وتلمس وجهاتها هي معرفة الله والسير في طريقه.
إن عظمة الله تقتضي الفهم والتفكير، الاكتشاف والتحليل بالعلم والعمل والمعرفة وليس بالاكتفاء بتقبيل ورق النصوص القديمة وجعلها أصناما جديدة دون وعي ولا تدبير للظرف والتاريخ والأحوال والعلة والسبب.
أو ليس الله بقريب وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، لغته بليغة رائعة تتجلى في فن مزج الألوان وفتنة العيون وسحر الآذان وحسن تسوية الأشكال وجمال الأنساق، في لذة المذاق وبهاء النضارة ورهافة الحس وقوة البيان، فلا أجمل من الوردة والياسمين والأقحوان ولا أعطر منها ولا أرق وأبهى، فأين منها لغة المتون المتخشبة وتأتأة لسان قديم بلفظ مجتر أفرغه الجهل من معناه الأصيل.
إننا نرى الله جهرة، أمامنا ووراءنا وفي كل جانب ونحن به موقنون ..
أتريد معرفة الله، فلتنظر للطبيعة .. تجلياتها ومنطقها، في لغتها الواضحة الجلية الرائعة البليغة المفهومة، لننظر للعيون والآذان كيف نشأت، والذوق والشعور والإحساس وإلى ما وصل .. هؤلاء هم الرواة وذلك هو السند.
الله، إنه الذي يمسكني القلم وباسمه أكتب وأقول، هو ذا الذي أحسه وأدركه وأفهمه وأعيه، بلغته السلسة السالكة، عن طريق حفريات العلم والتقنية والعقل والموازنة.
هو ذا الله، في نقاء ونسيم الهواء وشمة العطر ونشوة النغم.. في صفاء السماء وراحة الضمير واتحاد الميزان وعدل البشر.
هو ذا الله الذي عنه تبحثون.. إنه الميزان الأعظم والرواء الأكبر والغذاء الأكمل والراحة الشاملة والنور الكاشف الفياض واليد الخفية التي تعدل الموازين وتزكيها.
نور الله، هو الهداية عبر دهاليز الظلمات لمعالم اليقين.
نور الله، هو تلمس الطريق عر دروب التيه وأزقه الفراغ إلى الملأ والوجود والكيان.
نور الله، هو تأسيس الكينونة وسط العدم.