فضــــاء

دخلت غرفتك، تمددت فوق سريرك مستلقيا على ظهرك بعدما خلعت حذاءك وتخففت من أرديتك، جالت عيناك في سقف الغرفة الأبيض الكئيب دون أن ترسوا على شيء ذ ي بال، تفكيرك مركز فقط في دواخلك، نفسك منتظم، ذهنك يقظ وتصميمك مستقر على استكشاف ذاتك، قدرات عقلك، ماهية روحك، جال فكرك فيك من قمة رأسك إلى أخمص قدمك كما يقال، تحسست كل جزء كل عضو فيك وأنت مسترخ مستريح، وحده فكرك والحواس مجندة لسبر الأغوار، جس كل ما فيه نبض وحس وحرارة، ذهنك مستيقظ مثل مصباح، الصمت والترقب مهيمن على حالك، تدور عيناك في محجريهما تقلبان مع الفكر الصور والتصورات، تغدو أمواج أنفاسك مع كل شهيق وزفير وتروح باحثة مستقصية، تقلصات يسيرة بأطرافك تنبئ أنك حي موجود ولك إرادة، شفتاك مزمومتان في هدوء لجما للكلمات والأصوات، يستقر شيئا فشيئا شعور فيك بأن جسدك يمتد إلى ما هو أبعد منك يتعداك، ينتفخ يكبر ويتضخم امتداد جسدك، تشعر أن لك إلتحام مع هالة، حيز، مجال حي متواصل معك، تلاحظ أنه المرتع الطبيعي لسرحان أفكارك ومعانيك التي تجول بخاطرك، تهيم في ذلك الفضاء الرحب، تسبح، تتمطى، تستدير أفكارك وكلماتك المضمرة وتعود، إنه مجالك الفكري الخارجي، هالتك الكثيفة التي تلف ذاتك وفي أوديتها وأغوارها تجري أفكارك وكل ما هو نفسي ومعنوي فيك، قبة روحك، فضاء نفسك، هالة جسدك، تترك العنان لأنامل يديك وأصابع قدميك لتستطيل وتتمدد، تتابع مساراتها مرهفا لها السمع وهي تجول خارج جسدك مثل موجات تسبح وتئن، سرعان ما تعود موجاتك الزئبقية إلى جسدك لتستقر داخل الأعصاب وتسكن العروق والشرايين وألياف البدن، هاأنت تكتشف هالتك السحرية التي تشكل امتدادا لذاتك، تتمعن الأمر أكر وأكر، تركز أطول، تتبين أن مجالك الحيوي يتعدى هالتك السحرية إلى ما هو أكبر وأبعد، تلاحظ وأنت في قمة الاسترخاء والتركيز واليقظة أن مجالك المغناطي حيث تسبح أفكارك وتتمطى نفسك وتروح وتجيء روحك هو أوسع مكان وأنأى فضاء ،يغمرك الشعور بالروعة والزهو،بالذهول لهذا الاكتشاف،تتمادى في التفكير والاستبهام والسرحان، تتمدد عروقك، تسترخي أعصابك، تطمئن عظامك تتهادى داخل شرايينك وأوردتك الدماء، تسبح الأفكار والمشاعر، ترقص، تثب في الفضاء الواسع الساحر، ترقب ذاتك وهي سابحة في المحيط اللجي الهادر، ترتفع كلية متضخمة متهادية مثل بالون هواء في الفضاء، ترقى ترقى.. تغدو ملء السماء، تلحق بالنجوم بالكواكب والأقمار، تناور التخوم ، تتعداها.. لا شيء يحصرك، لا أحد يقف أمامك وأنت مطمئن هادئ موقن لم تبارح مكانك، وأنت هناك بمرقدك مستلق على ظهرك فوق سريرك بغرفتك، أنت أيها الإنسان الذي لا تدري بقدراتك، الذي تمتهن جسدك ولا تقدر نفسك أو تثمن روحك، إنك والله كذلك أنت أيها الإنســان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top