كانت صورة الموناليزا الشهيرة في إطارها المذهب الوقور تتصدر الحائط بقاعة الاستقبال، وكان يحلو له الجلوس قبالتها متأملا يرشف من كأسه على نغمات طرب شرقي قديم أو موسيقى تعبيرية حديثة رشفات ترد الروح كما يقال، كانت نشوته اكتشاف سر البسمة الخالدة التي تفنن في تأويلها نقاد الفن وعشاقه حتى غدت أسطورة ولغزا من الألغاز المحيرة للعقول كانت نظرة الموناليزا ذات الابتسامة الهادئة الخفية تتبع ناظرها أنى ذهب يمينا شمالا عن قرب عن بعد،
كانت نظرة الموناليزا ذات الابتسامة الهادئة الخفية تتبع ناظرها أنى ذهب يمينا شمالا عن قرب عن بعد، من كل جانب، معجزة في هندسة المنظور صممتها يد أحد آباء فن الرسم الكلاسيكي ليونارد دفانشي الفم الوديع الهامس أصابع اليد المستريحة كحمامتين، الجبين الناصع الضاحك، الجيد المعبر عن الرقة والقوة في آن، جلس قبالتها يلاعب نظراتها مثل صبي عابث، تنقلت عيناه من الجبين إلى العنق إلى الصدر ، صدته هيئتها التي تجمع بين البساطة والأرستقراطية والرصانة، بالغ في الاقتراب منها وقد شرب كأسه ثانية، لمعت عيناه وراح يميل رأسه يمنة ويسرة متتبعا نظراتها التي تتبعه أنى إتجه، خيل إليه أنه يرى فمها يرتعش، رفع حاجبيه، فرك عينيه، حدق مجددا، تبين له أنه كان واهما، وقف أمامها في انبهار كمن يقف أمام هرم، حدق إليها طويلا وقد تراءى له وجهها الصبوح يومض بالابتسامة الخفية الساحرة المنبعثة من أعماق السكون الذي يلف اللوحة وتهيأ له أن قلبها ينبض وأنفاسها تصعد وتهبط مثل أي كائن حي وإندهش لقوة الإيحاء النابعة من الصورة، أخرج قلمه الحبري من جيب سترته واقترب من اللوحة، سطر بخط واضح سريع على زاوية من الإطار هذه الكلمات.. الآن أدركت سر الموناليزا، إنها صورة كائن ما بين الملاك والبهيمة، صورة إنسان ..